استشراء النفاق السياسي/ عبدالرحمن الطالب بوبكر الولاتي

سبت, 01/22/2022 - 04:21

{{ إن نمط تفكير المجتمعات بمختلف شرائحها هي المنتج الرئيسي لحكوماتها سلباً كان ذاك التفكير أم إيجابياً}}

تسعى الدول للإصلاح وتحسين الحالة التنموية والمعيشية لمواطنيها وتلافي مواطن خلل قديمة، وتسعى للنهوض الرامي إلى التقدم والتطور، وغالباً ما تكون الدول ممثلة بالقائمين بالفعل التطور يصادقة في ذلك، وإن كان حسب ظروف الدول ومواردها وإمكاناتها، ولكن سرعانما تأتي العقبات المتعددة الأوجه لتقف في وجهها، فتمنعها من ذلك أي تحقيق تقدم فعلي على أرض الواقع ، ولعل أهم الأسباب في ذلك طبقة المنافقين السياسيين الذين يملئون الدنيا بخطاباتهم الهادفة لتحقيق مصالحهم الشخصية من الأعلى أو أصحاب القرارات الذين يقعون فريسة كذبهم وإخداعهم ، وهنا يقع المجتمع في ورطة النفاق السياسي ، فالمنافقين السياسيين لا يختلفون عن المنافقين دينياً الذين دخلوا الدين تستراً لتحقيق مكاسب ضيقة ، وكذالك شركائهم في السياسة فهم في سبيل تحقيق طموحاتهم ومصالحهم مستعدين للعق وتقبيل حذاء صاحب القرار ، وهذا كله على حساب الصادقين من الأذكياء وأصحاب المشاريع السياسية لتطوير وارتقاء الدول.

النفاق في اللغة هو إظهار الإنسان غير ما يبطن. وسمي المنافق به لأنه يجعل لنفسه وجهين، فالنفاق حالة مرضية نفسية تنبئ عن خبث صاحبها. ..! الكلمة مستمدة من النفق أو الجحر الذى تحفره بعض الحيوانات، وتصنع له فتحتين. فالمنافق له وجهان، ظاهر وباطن، ويُسخِّر هذه الازدواجية عبر الغش والتدليس. ومن أخطر أنواع النفاق وأشدهاخطورة على المجتمعات هو النفاق السياسي بكل أشكاله، اذ يعتبر نفاق الرأي العام  والسعي إلى كسب ود المجتمع بمجاملته ومداهنته على حساب الواقع ، وبالتالي على حساب مستقبل تطوره ونموه. ومن أساليب المنافقين السياسيين  التستر خلف بعض الأعمال الإنسانية المشروعة والكلام المعسول لتحقيق غاياتهم الفاسدة ;ومصالحهم الشخصية ،  على حساب القيم والاخلاق والمبادئ. المؤسف ان ظاهرة النفاق اصبحت طبيعية  في الموريتانيا  لدرجة ان مصطلح سياسي يقابله طابور المنافقين الذي عادة ما يتنامى تعداده وتأثيره في المراحل الحاسمة

أما النفاق السياسي فهو من أخطر أشكال النفاق الديني فإن ضرره لا يمس حياة المواطن العادي بل يمس المجتمع كله، والسؤال هنا من ينافق من؟ وهل الحكومة في حاجة إلى من ينافقه رغم احتكاره لمصادر القوة القهرية والمادية؟ نعم الحكومة في حاجة لمن ينافقه: وهذا سببه ضعف الحكومة، وعدم رضا الناس، وعدم قبولهم، وذلك لضعف أداء نظام الحكومي، وعدم قدرته على تحقيق التكافؤ في عدالة إعادة توزيع الثروة، والتصدي لمشاكل المجتمع من فقر وبطالة، ومثل هذه النظم تخصص موارد الدولة لدعم المنافقين والتي تأتي على حساب مشاريع التنمية المجتمعية والاقتصادية. ولدعم حكومي يساهم في خلق دائرة وشرائح كثيرة ممن لهم استعداد للنفاق، من أمثال من يسعون إلى الثروة واحتكارها، والذين من أجل إرضاء الحاكم وعدم غضبه يحجبون عنه الحقيقة وما يدور بين ثنايا المجتمع، ما يدفع بالسفينة إلى الغرق بمن فيها الحاكم والمحكوم، وهناك بعض الإعلاميين الذين يسخرون أقلامهم للدفاع عن أنظمة حكم لها الفضل في تعيينهم وسيطرتهم، لا يخلو النفاق من شريحة المثقفين والمفكرين والأكاديميين الذين قد يسعون لمنصب سياسي أو وزاري. كل هذه الشرائح تلتقي في حلقة مشتركة مع الحكومة وهي الرغبة في التملك والسيطرة والجاه والنفوذ، والمحصلة النهائية لهذا التفاعل هي خلق ودعم واستمرارية أنظمة حكم غير مكترثة برضا شعوبها بقدر رضا شريحة صغيرة من المنافقين الذين يسعون إلى مصالح ضيقة على حساب المصلحة العامة، هذه الظاهرة هي التي تقف وراء كل الأمراض والعلل التي تعاني منها مجتمعاتنا، من تشدد وتطرف، وكراهية وخوف، وقهر وتخلف وغياب للحقوق والحريات. البديل فرض مبادئ العدالة والمساواة وسيادة القانون، و تنمية المجتمع وقواه ومؤسساته، وفرز هذه الشريحة من المنافقين ونبذهم في مجتمعهم، والتوعية والتنشئة السليمة بإعادة النظر في طبيعة ودور مؤسسات التنشئة، وإبراز القيم للدين الإسلامي، وإعادة بناء منظومة القيم وغرس فكرة المواطنة المسؤولة.

إذا أدرك الحاكم خطورة النفاق السياسي لاختار المستشار الذي يستشار و الناقد الذي  يحلم بالتصحيح عبر كلمة الحق… والاعلامي الذي لا يأكل في كل الموائد.. المتمسك بالحق وقلمه محصن ضد الانكسار…والوزير الذي يبني لا ينهب يطور لا يفسد…. الخ

يظل المنافق  شخصية متلونه لا تعرف الثبات على المبادي…

المنافقون آفة المنظومة السياسية والاجتماعية… قال عليه افضل الصلاة والسلام (إن أخوف ما خاف عليكم بعدي منافق عليم اللسان) (عليم اللسان يمتلك المنطق ومنزوع المبادىء تحركه مصالحة الشخصية)

 

روي أن الشاعر الفرزدق مدح الحجاج في حياته وتلقى هباته وعطاياه ثم هجاه بعد موته فلاموه على ذلك قال (نكون مع العبد مادام الله معه، فإن تخلى عنه تخلينا عنه)… التطبيل نفاق يستهدف أصحاب المناصب العليا من أجل تحقيق المصالح الذاتية   لا يبالي المنافق والذي يتملق  بمصلحة البلاد والعباد…

هذا زمان يمرح فيه كثير من المنافقين والمتسلقين… لذلك يتفرعن الحاكم و تنهار البلاد….

ان ما يزيد من خطر النفاق والمنافقين الذين يمارسون النفاق وبالتالي الكذب السياسي هو عندما يقوم الكاتب او المؤرخ او الصحافي بقلب الحقائق وتزويرها، وتضليل العامة، هنا  تأتي الصدمة بالغة لأنها تكون ممن يجب أن يكونوا أمناء على الحقيقة ونقل الحقائق على اختلافها بكل شفافية وموضوعية. ،  فنرى ان من يشجع على منتجى النفاق فى وقتننا موزعون على بعض الكتاب صحفيين ومذيعى تليفزيون وإذاعة وسياسيين وفنانين وكبار الموظفين وأصحاب أموال وأعمال  ممن يرجون من نفاقهم نفعا أو يتقون به شرا. حيث يقومون «التطبيل» ويصنعون تلالا من المبالغات السياسية التى تؤدى إلى فقدان المصطلحات معناها الحقيقى، بفعل ابتذالها مثل «عهد الإنجازات المهمة» و«الرئاسة التاريخية» إلا أنها عبارات فارغة، تزيد من جعل الواقع أكثر قبحا وتقززا ،والمبالغات المصاحبة للنفاق  تؤدى إلى عكس ما يريده المسؤول الممدوح، أو المتزلف إليه.  فما يقوله المنافق التاريخى لعمدة او وزير او رئيس اليوم، سبق أن قاله لسابقه الأمس، في سياسة “الله ينصر من أصبح”. وهكذا أضحى النفاق السياسي المشكل الأساسي والعضال الذي يتهدد ويشكل خطورة على الاستقرار في الحياة السياسية بالموريتانيا،  لدى العديد من النخب السياسية. فمن يساعد على هذا التراجع في الفكر السياسي الموريتاني؟ ومن له منفعة في الدفع والنفخ في بالونات سياسية سرعان ما ستتفرقع بعد علوها في الهواء

وحسب الدراسات النظرية والتطبيقية اتبت أن الكثيرين من السياسيين في الدول في ممارستهم السياسية وتعاطيهم معها على الكذب وخيانة الامانة والوعود الكاذبة، ليست للسياسة ذنب في ان السياسيين منافقين، ليست السياسة هي من دفعتهم الى دلك بل هي غاياتهم وتحقيق مصالحهم الشخصية التي استخدموا السياسة من اجل الوصول اليها فكانوا سياسيين منافقين، فلكي تكون سياسي ناجح يجب ان تحترف النفاق وتعرف كيف تنافق.

النفاق السياسي له ما يبرره في واقعنا الاجتماعي، ومن ثم لا غرابة في شيوع القيم الانتهازية والوصولية والشخصية النفعية وأساليب الخداع والمكر والكذب والمراوغة والتذبذب في المواقف والتناقض في الادعاء بين القول والفعل والممارسة واحلالها محل القيم النبيلة والصدق والامانة والثقة والوفاء بالعهود وروح المسؤولية والالتزام وخدمة الصالح العام الوطني.

لا نجاة إلا في الصدق والوضوح والصراحة، اما الكذب والغش والكلام المعسول وزخرفة القول تخفي خبث المعاني ودناءة المقاصد لان حبل الكذب قصير “ونهايته معلومة” ولا يصح إلا الصحيح.