لا يترك رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني مناسبة تمر إلا وأبرق فيها لسدنة صاحبة الجلالة ببعض النوايا و “التعهدات” الطيبة أتجاه إصلاح أو “تمهين” حقل الصحافة، الذي يعيش حالة مزرية من التردي يرثى لها ، و تتحمل الدولة بالدرجة الاولى وزر وأثام تلك الحالة لما دأبت عليه أنظمتها “المنصرفة” من تعاط سلبي مع القطاع بل من تمييع وتشويه للصحافة والصحفيين ،ومن نظرة دونية للصحافة والصحفيين من “مرايا” تلك الأنظمة المتعاقبة على العبث بهيبة وقدسية صاحبة الجلالة.
أبرق الغزواني وصرح وغرد “بتعهداته” الصادقة لإصلاح القطاع وتمكينه سدنته من ممارسة مهنتهم في ظروف طبيعية تطبعها الحرية ، ويضبطها الحق المشروع في الوصول للمعلومات.
ولئن كان الأمر ما يزال على مستوى الإبراق والتغريد والتعهدات ، لكنه بلا شك ولد أملا كان مفقودا ، وعالج حالة من الإحباط والتذمر كانت تسود القطاع وتعشش في قلوب وعقول من إبتلاهم الله بالتخندق في باحاته النبيلة ، والتعلق بمثله السامية ، و يرى الحكماء أن أسرع طريقة للإنهيار والتلاشي هي فقدان الأمل والعكس صحيح.
بيد أن ما يصر “الشيخ الغزواني” على التعهد به ، لا نجد له نحن معشر المنشغلين بمهنة المتاعب أبسط ترجمة في أقوال و أفعال وتصرفات وقرارات حكومته الموقرة.
فهاهو “شيخ الحكومة” معالي الوزير الأول يحرم الصحافة المستقلة (قنوات وصحف ومواقع إلكترونية) من حضور خرجته الإعلامية الأخيرة ، حيث قرر أن يتحدث لنفسه عبر وسيلته الرسمية، بعيدا عن أسئلة الصحافة المحرجة والمشاغبة ، في حين أن رئيس الجمهورية في أول خرجة إعلامية له استدعى كل المؤسسات الاعلامية الخاصة في البلاد.
فهل يخفي الوزير الأول معلومات لا يريد للصحافة الحرة أن تحرجه بالنبش في أغوارها ؟ ، خاصة أن حكومته أوشكت على إكمال حولها الأول ؟ أم أن معاليه لا يرى أصلا ضرورة لوجود الصحافة الحرة ؟ ، ولا يؤمن بدورها في العملية التنموية في البلاد ؟ ، وحقها المشروع في الحصول على المعلومات ، وتنوير الرأي العام حول مختلف القضايا الوطنية ؟
فلماذا لا يفكر معاليه بطريقة أكثر ذكاء وأقل إحراجا ، كأن يسجل خطابا مدبجا بالانجازات الباهرة لحكومته “الرشيدة” ويقرأه في التلفزيون وهو مرتاح على أريكة مكتبه المنيف ، فيريح الصحافة من التطلع للحضور ، ويريح نفسه من تبعات إحراج خطوة إقصائية غير مبررة كهذه ؟
أو لما ذا لا يجعله لقاءا خاصا مع واحد من الزملاء بالتلفزيون ، وفي هذه الحالة أيضا يكون حصريا ومشروعا
لا شك أن خطوة الوزير الاول لا تبعث برسالة ودية للصحافة حول تدفق المعلومات وحق الحصول عليها ،
وما ينطبق على الوزير الأول ينطبق على فريقه الحكومي ، فهاهو الوزير الناطق باسم الحكومة يعامل الصحافة بصلف واستحقار غير مسبوقين ، لدرجة أنه يرسم بجرات قلمه الاقصائي من هو الصحفي الذي يحق له أن يلج قاعة يتربع جلالته على كرسي فيها ، وهي خطوة مهينة استغرب إستمرار صمت الصحافة عنها ، وعدم اتخاذهم لقرار حاسم بمقاطعة الايجاز الحكومي الاسبوعي الذي يحدث تحت وصاية الوزير الناطق بالفحش للصحافة.
ما يريب حقا هو أن الحكومة لم تتحرك شبرا واحدا إتجاه تعهدات الرئيس ، وكأنها غير معنية بها أو لكأن الرئيس غزواني يغرد خارج السرب الحكومي ، فلا تزال حتى الآن مذكرة تجويع الصحافة التي أصدرها الوزير الأول السابق يحي ولد حدمين سارية المفعول ، بدون أن تحرك الحكومة الجديدة ساكنا لشطبها ، وهو ما يجسد تطابقا مثيرا للرؤى بين حكومة العهد الجديد وحكومة النظام السابق إتجاه الصحافة على الأقل.
إنه وضع مريب وغريب حقا ، فكيف نوفق بين تعهدات الرئيس غزواني الطيبة ؟ و ممارسات حكومته المناقضة لتلك التعهدات والتوجيهات ؟
عموما ستبقى الصحافة الجادة تناضل من أجل حقوقها المشروعة ، ألى أن تكون هناك حكومة تؤمن أنه “لا تنمية بدون ديمقراطية و لا ديمقراطية بدون صحافة حرة”(شعار الصدى)
حفظ الله البلاد والعباد
محمد عبد الرحمن المجتبى