فضل الجنرال شارل ديگول اللجوء إلى لندن عندما قررت الحكومة الفرنسية توقيع معاهدة سلام بعد دخول قوات هيتلر باريس في الرابع عشر  من يونيو 1940، ومن هناك وجه أحد أهم خطاباته لمقاومة الاحتلال الألماني. وعلى الرغم من مواقف مهينة كعملية احتجاز السفن الحربية وهجوم "مرسى الكبير" الاستباقي على يد الحليف البريطاني،  وتحديات أخرى كصعوبة استنفار الموارد انطلاقا من المستعمرات وتعقيدات تنظيم المقاومة ميدانيا ونشاطات "حكومة فيشي" المعادية، ظل الرجل يدافع بإيمان لا يتزعزع عن "فرنسا المقاتلة" و"عظمة فرنسا" وضرورة تحرير بلده من "نير الاحتلال الجاثم على صدره"، إلى إنزال "النورماندي" الذي نفذته "قوات الحلفاء" -بقيادة أمريكية- في 6 يوليو 1944، هذا الإنزال الذي شكل بداية تحرير  فرنسا من القبضة النازية. لقد أصر الجنرال ديگول -كرئيس- على أن تُعامل بلاده على قدم وساق مع أكبر دول التحالف فيما يتعلق بتفاهمات ما بعد الحرب ؛  وقام بإصلاحات جوهرية كصياغة دستور "رئاسي" وانتهاج سياسة خارجية مستقلة واعتماد فكرة "الطريق الثالث" فيما يتعلق بالاقتصاد وتبني درجة من الواقعية (كفكرة "سلم الشجعان" الجريئة حيال الجزائر) بخصوص المستعمرات وحق التصويت -لأول مرة-للمرأة الفرنسية (1944)...

اصطدم ديگول مبكرا بالتناقضات الإيديولوجية داخل الأحزاب الثلاثة  التي دعمت قيادته للبلاد، على خلفية الموقف من "خطة مارشال"، فقرر مغادرة السلطة وهو القائل "أحترم من يقاومونني، لكنني لا أستطيع احتمالهم...". عاد إلى سدة الحكم -12 سنة بعد ذلك- بشروطه، ليستقر فيه حوالي 12 سنة أخرى. وإثر فشله -بقليل- في الحصول على مستوى الدعم الانتخابي الذي حدده سلفا لنفسه في استفتاء لتعزيز اللامركزية، قرر مغادرة الرئاسة نهائيا.

لقد مكنت سلطة "البطاقة الانتخابية" من حسم صراعات سياسية حادة بطريقة سلسة وسلمية، في بلد أنهكه الاحتلال وعرف بعد ذلك اضطرابات خطيرة ومتكررة، في وقت قياسي.

(يتواصل)